03 - 09 - 2025

مؤشرات | قرار المسلماني .. بين ممنوع الكلام ووظيفة الإعلاميين

مؤشرات | قرار المسلماني .. بين ممنوع الكلام ووظيفة الإعلاميين

قرأت أكثر من مرة وبتفسير لكل كلمة، القرار الإداري الذي أصدره الكاتب والإعلامي الزميل أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام لمنع أو قل ضبط مشاركة اعلاميي ماسبيرو في أي مؤتمرات، وفقا للقرار، وليس بحسب ما اوضحه المسلماني لاحقاُ، لأن الأمر منع التعامل مع الصحافة ووسائل الإعلام بكل أنواعها، مع تهديد مباشر لكل من يخالف تلك القواعد بأنه سيتعرض للمساءلة القانونية.

كثير من المؤسسات العامة والخاصة تضع ضوابط للعاملين فيها للتعامل مع وسائل الإعلام، وهي ظاهرة جديدة على مصر، اتسعت مع تطبيق سياسة "المتحدث الرسمي"، وفي المؤسسات الخاصة يمنع أصحابها من التحدث مع الإعلام، والذي يقتصر على صاحبها فقط، ومن سنوات طويلة تطبق المؤسسات السيادية سياسة منع التعامل مع وسائل الإعلام، خصوصا ما يتعلق بالشؤون الأمنية والعسكرية، وفي كثير من الأحيان الدبلوماسية.

ولا شك أن هناك أمور حساسة يجب التعامل معها بحذر مع وسائل الإعلام، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي للدولة، فحتما هناك من يتربص بأي تصريح لتوظيفه، واستغلاله، ضد مصالح الوطن، أو للإساءة لعلاقات الدولة بمحيطها الإقليمي والعالمي.

كل هذا مفهوم، وتطبقه كثير من الدول، ولا خلاف عليه، لكونه أمرا تقتضيه الضرورة، إلا أن اتساع ظاهرة المتحدث الرسمي" والذي لم تخل منه وزارة وهيئة ومؤسسة رسمية وغير رسمية، قد زاد الأمر عن حده، وهو ما أدى لاختفاء الإبداع في الصحافة والاعلام عامة، واتساع "صحافة وإعلام البيان الموحَّد"، وتحولت الصحافة والإعلام لصورة واحدة، ومانشيت واحد.

لكن التعامل مع الصحافة والإعلام بصورة مماثلة، فهذا أمر مختلف، لأنها مهنة الرأي والوظيفة، و"أكل العيش"، فالمشاركات في الحوارات والندوات ومختلف الفعاليات للصحفي والإعلامي، جزء من وظيفته ودخله، وهذا الدور جزء رئيسي من التطوير للإعلام، والذي هو حديث اليوم، لتفعيل تبادل الآراء.

الأمر مزعج جدا، فهناك طرق أخرى لتنظيم مثل هذه الضوابط، لكن ليس بأمر إداري، فهل فات على من أشاروا بمثل هذا القرار بأن المخاطبين بالقرار مهنتهم الحوار والمشاركة في المؤتمرات والندوات والمنتديات.

القرار الصادر عن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، جاء متزامناً مع توقيت الحديث فيه عن تطوير الإعلام، وشمل القرار منع العاملين في ماسبيرو من الإدلاء بالتصريحات الصحفية، أو التعامل مع الإعلام، وعدم المشاركة من العاملين في أي اجتماعات أو ندوات أو مؤتمرات تنظمها أية جهات خارجية، وكذا عدم الإدلاء بأية تصريحات صحفية أو التعامل مع وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة إلا بعد الرجوع لرئاسة الهيئة، وبموافقة صريحة من السلطة المختصة تجنبًا للمساءلة القانونية.

رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، حاول توضيح قراره، بقوله في تصريحات صحفية "إن قرارات ماسبيرو بشأن الاستئذان في المشاركات خارج مصر أو لدى الجهات الأجنبية، وكذلك التصريحات الرسمية باسم الهيئة أو قطاعاتها تخص مناصب وكيل الوزارة ووكيل أول الوزارة فقط، ولا تخص الإعلاميين أو المحررين أو العاملين بالهيئة الوطنية للإعلام".

ويمكن تفسير ما قاله رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، بأنه مذكرة تفسيرية لقرار صدر على عجل، ودون توضيح، بالرغم من معرفتنا بالزميل الكاتب أحمد المسلماني، فمن المهم إعادة تصويب قرار يخص أصحاب مهنة، صنعتهم الكلام والكتابة.

ما قاله رئيس الهيئة الوطنية للإعلام - بأن الإصلاح الإداري مستمر ولا تراجع عن تحديث ماسبيرو، وحرية الرأي مكفولة تماما ولا يمكن المساس بها بل تعمل الهيئة على تعزيزها وحمايتها، - يكشف عن قلق من ردود الفعل للأمر الإداري أو القرار الإداري الصادر بتاريخ 1 سبتمبر 2025، والمخاطب به كل من رؤساء القطاعات في ماسبيرو ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون ورئيس الموقع الموحد، ورئيس أكاديمية ماسبيرو، وتم التوجيه به لرؤساء القنوات التلفزيونية، والمديرين العمومين، ورؤساء الإدارات المركزية، مع ملاحظة أن القرار تزامن مع الجدل بشأن وفاة كبيرة المعدين في التليفزيون، والتي لم يتوفر لديها ثمن العلاج.

الخطر في مثل هذا القرار لرئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أنه قد يكون "باب جهنم" لباقي المؤسسات الإعلامية، التي من الممكن أن تصدر قرارات مشابهة، لمنع الصحفيين والإعلاميين من التعامل مع أي فعاليات، وهو ما يعني تجفيف منابع تداول الآراء، خصوصا أن القرار صادر من أعلى سلطة مسؤولة عن الإعلام في البلاد، وهي الهيئة الوطنية للإعلام، والتي تماثل في دول أخرى وزارة الإعلام، وهي ما حلت محل وزارة الإعلام في سنوات سابقة.
------------------------------
بقلم: 
محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | قرار المسلماني .. بين ممنوع الكلام ووظيفة الإعلاميين